الصفحة الرئيسية|الهوية والثقافة

السردين أم الذئب؟ عن القيادة الفردية والعقل الجماعي

file_00000000a3ec620abccfbc4fc47452d2

السردين أم الذئب؟ عن القيادة الفردية والعقل الجماعيفي عالم السياسة والفكر، لطالما انقسم الناس حول السؤال الجوهري: من الأجدر بقيادة المجتمعات؟ هل هو الفرد العبقري، القائد الذي يرى ما لا يراه الآخرون، ويتخذ القرار وحده؟ أم أن الأفضل أن تتقاسم المجموعة القرار، بعقل جماعي ينبع من تفاعل الجميع؟

الإيديولوجيات الاستبدادية والأنظمة الديكتاتورية ترى أن المجتمع لا يُقاد إلا من طرف شخص واحد، حكيم، قوي، يُفكّر بدلاً عن الآخرين، ويتصرف كما لو أن مصير الأمة يتوقف على ذكائه وحده. يُشبهون هذا القائد بالذئب، ذاك الحيوان المفترس الذي يقود قطيعه من الأمام، يختار مسار الصيد، ويتخذ القرارات نيابةً عن الجميع. في هذا النموذج، يُفترض أن البقية تطيع، تتابع، وتنخرط في حركة واحدة بقيادة الرأس و لكنني أرفض هذا المنطق، لأن الواقع والطبيعة يُقدّمان لنا مثالاً آخر أكثر إلهامًا وواقعية: سرب السردين. هذه الكائنات الصغيرة لا يقودها أحد، لكنها تنجو في البحار الهائلة بفضل عقل جماعي مذهل. كل سمكة تقرأ إشارات الأخريات، تستجيب في جزء من الثانية، ويتشكل السرب ككتلة واحدة تتحرك في انسجام تام، تتخذ قرارات مصيرية مثل الهجرة، التغيير المفاجئ للمسار، أو الهروب من المفترسين، دون وجود “قائد”.

هذا النموذج ليس فوضويًا كما يظن البعض، بل هو ذروة النظام والانضباط، ناتج عن الثقة والتنسيق والتفاعل بين الكل. وهو ما نحتاجه اليوم في مجتمعاتنا البشرية: ليس طغاة ولا عباقرة معزولين، بل شعوبًا ناضجة، تشارك في اتخاذ القرار، تُصغي، تُفكر، وتُخطّط معًا.

الفرق بين الذئب والسردين ليس في القوة الفردية، بل في منهجية البقاء. الذئب يعتمد على سلطته، بينما السردين ينجو بالعقل الجماعي. الذئب يفرض، بينما السردين يتفاعل.لذلك، لا نحتاج إلى زعيم أسطوري يقودنا في الظلام. نحتاج إلى وعي جماعي، إلى نظام سياسي يُشرك الكل، يحترم الاختلاف، ويُبنى على الثقة بين الأفراد والمؤسسات. الديمقراطية الحقيقية ليست صناديق اقتراع فقط، بل هي أيضًا ثقافة عقل جماعي، شبيه بسرب السردين، لا يُهزم بسهولة.ففي مواجهة الاستبداد، النجاة ليست في اتباع القائد، بل في السباحة معًا

مواضيع ذات صلة

الديمقراطية مقابل التاريخ الإسلامي: بحثٌ عن استقرار مفقود

حان الوقت لإديولوجيا جديدة لا علمانية و لا اسلامية

الدولة العصرية : رؤية عقلانية لعالم عربي جديد

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات

0