الصفحة الرئيسية|الصحة

سياسة ردعية وعلاجية لمكافحة الإدمان على المخدرات

file_000000000dc062468efc130865ef6891 (1)

في ظل الارتفاع المتزايد في معدلات الإدمان، وما يترتب عليه من تداعيات أمنية وصحية واجتماعية، بدأت العديد من الدول تراجع سياساتها “المتساهلة” في التعامل مع المخدرات، وفي طليعتها هولندا، التي طالما اعتُبرت رمزًا للانفتاح في ملف المخدرات، لتتحول اليوم تدريجيًا إلى نموذج مختلف… أكثر حزمًا وأكثر عقلانية.

هذا التحول يقدم دروسًا قيّمة لدول مثل تونس، حيث لا تزال السياسة العمومية تجاه الإدمان مترددة بين العقوبة والتغاضي، دون مشروع هيكلي حقيقي يعالج جذور الظاهرة.

🔴 التجربة الهولندية: من “كوفي شوب” الحشيش إلى حرب على المخدرات المصنعة

لطالما عُرفت هولندا عالميًا بأنها الدولة الأكثر تساهلًا مع الحشيش، من خلال سياسة السماح ببيعه في “الكوفي شوب”، والتركيز على الصحة بدلًا من العقوبة. لكن منذ عام 2024، تغيّرت الأمور بسرعة:

1️⃣ منع شامل للمواد المخدرة الاصطناعية:

دخل قانون جديد حيّز التنفيذ في 1 يوليو 2025، يسمح بحظر مجموعات كاملة من المواد الكيميائية مثل الميث، الإكستازي، والفنتانيل، قبل حتى ظهورها في السوق.

2️⃣ تشديد صارم في العقوبات:

الحكومة رفعت العقوبات إلى مستويات غير مسبوقة:

حيازة المخدرات الصلبة: حتى 8 سنوات

البيع أو التصنيع: حتى 12 سنة

التهريب: حتى 16 سنة

3️⃣ الاعتراف بخطر الدولة المخدّرة:

بعد جرائم بارزة مثل اغتيال الصحفي “بيتر دي فريس”، أصبح مصطلح “Narco-State” جزءًا من الخطاب السياسي والإعلامي في هولندا.

4️⃣ استثناء محسوب للحشيش:

رغم هذا التشدد، أطلقت الحكومة مشروعًا تجريبيًا في 10 مدن لزراعة وتوزيع الحشيش بشكل قانوني بهدف ضرب مافيات السوق السوداء.

لكن المفاجأة؟ تقنين الحشيش لم يُنهِ السوق السوداء، بل ساهم أحيانًا في تقويتها لأسباب عدّة، أبرزها ارتفاع الأسعار، ضعف الترويج القانوني، وسيطرة المافيا على الزراعة، مما يبرز الحاجة إلى معالجة جذرية للإدمان لا تقتصر على التشريع، بل تشمل التأهيل الإجباري والعلاج.

🇹🇳 الدرس لتونس: نحو سياسة مزدوجة بين الردع والعلاج

من هنا، نقترح اعتماد سياسة جديدة واضحة المعالم في تونس، تقوم على مبدأ:

المدمن ليس مجرمًا… لكنه بحاجة لعلاج قسري وإبعاد عن بيئته المسمّمة.

✳️ مشروع نص دستوري مقترح:

🔹 الفصل الأول: المبادئ العامة

• الدولة تلتزم بحماية المجتمع من آفة الإدمان عبر العلاج الإجباري وسلب الحرية المؤقتة ضمن مراكز متخصصة.

• يُصنَّف الإدمان كمخالفة صحية – اجتماعية، لا كجريمة جزائية، ويُحال المدمن إلى مركز علاج وليس سجنًا.

🔹 الفصل الثاني: مراكز التأهيل والعلاج

• تُنشئ الدولة مراكز تأهيل بإشراف طبي-اجتماعي، توفر برامج علاج نفسي، دعم اجتماعي، وتكوين مهني.

• يُعزل المدمنون عن بيئتهم القديمة خلال فترة العلاج، ويُقيّد تواصلهم الخارجي لحماية مسار التعافي.

🔹 الفصل الثالث: العقوبات والضمانات

• تُسلب حرية المدمن من 6 أشهر إلى سنتين، بحسب تقييم لجنة مختصة، مع مراجعة دورية للحالة.

• تُوفّر الدولة دعمًا لأسر المدمنين، وإدماجهم في برامج التوعية لضمان عدم الانتكاس العائلي.

🔹 الفصل الرابع: الإدماج الاجتماعي بعد التعافي

• يُلزم المتعافون بجلسات متابعة دورية مع إثبات عدم العودة للتعاطي.

• تُمنح حوافز تشغيل وتكوين مهني لتسهيل الإدماج والقطع النهائي مع ماضي الإدمان.

🟢 خلاصة سياسية وأخلاقية

إذا كانت هولندا تُراجع نفسها بعد عقود من التساهل، فإن تونس مطالبة اليوم أن تتجاوز منطق “التجريم العشوائي” أو “التغاضي الخجول” نحو سياسة شجاعة، عقلانية، مزدوجة:

ردع صارم للتجار والمصنّعين… وعلاج إجباري وإنساني للمدمنين.

فما بين التشدد الهولندي الذكي، والنموذج الكندي المتعثر، يمكن لتونس أن تُبدع نموذجها الخاص… إذا توفرت الإرادة.

نحن نؤمن أن العدالة الصحية ليست شعارًا، بل مسؤولية وطنية.

والالتزام بالمناطق الداخلية وبناء مراكز تأهيل فيها، ليس عقوبة، بل شرف ومصلحة مجتمعية عليا.

مواضيع ذات صلة

قانون تحرير استيراد الأدوية بضوابط سيادية

قانون تحديث الصحة بالشراكة العمومية الخاصة

ضمان حقوق الأطباء المتربصين

تحفيز الأطباء لخدمة المناطق الداخلية

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات

0