في بلد أنهكته المركزية، وتراكمت فيه الفوارق بين الجهات حتى أصبحت قدرًا مفروضًا، يبرز اليوم مشروع جديد قد يشكّل أخطر إصلاح اقتصادي في تاريخ تونس المعاصر: شبكة مجالس اقتصادية جهوية تتكامل مع مجلس اقتصادي وطني مستقل، مهمّته إعادة هندسة السياسات الاقتصادية، وكسر الحلقة المغلقة التي ظلّت تحبس القرار داخل المكاتب الوزارية في العاصمة.
لأول مرة، لا يكون “التنمية” وعدًا انتخابيًا أو شعارًا فضفاضًا، بل نظامًا مؤسسيًا واضحًا يعطي لكل جهة صوتًا، ولكل مواطن قدرة على التأثير المباشر في خيارات بلده.
إنه تغيير في عقل الدولة قبل قوانينها، وفي طريقة صناعة القرار قبل نتائجه.
المجالس الاقتصادية الجهوية
• تُحدث مجالس اقتصادية جهوية في كل جهة، تُعنى بدراسة واقع التنمية الاقتصادية، وضمان التوازن بين الجهات، واقتراح المشاريع التنموية ذات الأولوية.
• تُركّب المجالس من:
• ممثلين منتخبين عن المجالس البلدية في الجهة.
• رجال أعمال تُعيّنهم منظمة الأعراف.
• خبراء اقتصاديين تُرشّحهم الغرف التجارية التونسية.
• نقابيين يُعيّنهم الاتحاد العام التونسي للشغل.
• ممثل عن الشباب وممثل عن المجتمع المدني يتمّ انتخابهما بالاقتراع المحلي.
• يُجرى الاقتراع المحلي تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو فروعها الجهوية، ويشمل:
• انتخاب ممثل عن الشباب من بين المترشحين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، الناشطين في المجال الجمعياتي او الطلابي .
• انتخاب ممثل عن المجتمع المدني من بين المترشحين الذين لهم خبرة لا تقلّ عن ثلاث سنوات في العمل الجمعياتي القانوني.
• يُشارك في الاقتراع كل ناخب مسجل في الجهة، ويُجرى التصويت في مقرات البلديات أو المدارس العمومية.
• يتمتع الفائزان بنيابة تدوم ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
• مهام المجالس الاقتصادية الجهوية:
• إعداد خطة تنمية جهوية تُعرض على الحكومة وتُناقش في البرلمان.
• إبداء رأي استشاري إلزامي في المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تمسّ الجهة.
• مراقبة تنفيذ الميزانيات والمشاريع التنموية المخصصة للجهة.
• دعم الاستثمار المحلي وتيسير التعامل مع الإدارات العمومية.
• تقييم السياسات الاقتصادية الجهوية في قطاعات الشغل، الفلاحة، الصناعة، والتكوين.
• رفع تقارير دورية إلى البرلمان والهيئات الرقابية.
• يجتمع المجلس مرة واحدة كل شهر على الأقل، وله أن يستدعي الوالي، المديرين الجهويين، أو ممثلي الوزارات للاستماع إليهم أو مساءلتهم.
هل ترغب أن ندرج هذا المقترح ضمن باب السلطة المحلية أو باب التنمية المستدامة؟
ممتاز، لإنشاء مجلس اقتصادي وطني يكون منسجمًا مع المجالس الاقتصادية الجهوية، إليك مقترحًا دستوريًا متكاملاً لصياغته:
المجلس الاقتصادي الوطني
• يُحدث مجلس اقتصادي وطني مستقل، يُعنى بتقييم السياسات الاقتصادية العامة، وضمان التناسق بين الاستراتيجيات الوطنية والجهوية، واقتراح الإصلاحات الاقتصادية الكبرى.
• يُركّب المجلس من:
• ممثل عن كل مجلس اقتصادي جهوي (ينتخب من داخله).
• 5 خبراء اقتصاديين مستقلين تُعيّنهم الحكومة بعد استشارة المنظمات المهنية والنقابية.
• 3 ممثلين عن منظمة الأعراف.
• 3 ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل.
• ممثل عن البنك المركزي.
• ممثل عن هيئة التخطيط والاحصاء أو المعهد الوطني للإحصاء.
• مهام المجلس الاقتصادي الوطني:
• مناقشة مشروع الميزانية العامة للدولة قبل عرضه على البرلمان، وإصدار رأي استشاري علني.
• تقييم السياسات العمومية في مجالات الشغل، الاستثمار، الفلاحة، الطاقة، والتجارة.
• إعداد تقرير سنوي حول الوضع الاقتصادي يُرفع إلى رئيس الجمهورية والبرلمان ويُنشر للعموم.
• تنسيق المقترحات الاقتصادية الواردة من المجالس الجهوية وتجميعها في رؤية وطنية متكاملة.
• تقديم مقترحات تشريعية أو تنظيمية في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
• الطابع القانوني:
• آراء المجلس استشارية لكنها إلزامية في مشاريع القوانين المالية الكبرى والخطط التنموية الوطنية.
• يلتزم البرلمان والحكومة بعرض مشاريع القوانين الاقتصادية والاجتماعية على هذا المجلس قبل التصويت أو التفعيل.
• التركيبة والمدة:
• يُنتخب رئيس المجلس من بين أعضائه لولاية من 5 سنوات غير قابلة للتجديد.
• تُجدد عضوية المجلس كل 5 سنوات، ويجتمع مرة كل شهر على الأقل، أو بطلب ثلث الأعضاء.
تونس اليوم أمام مفترق طرق: إمّا أن تواصل الدوران في الحلقة نفسها من المركزية والبطء والبيروقراطية، وإمّا أن تنتقل إلى نموذج جديد يوزّع القرار كما يوزّع المسؤولية، ويحوّل الجهات من مناطق مهمّشة إلى محركات اقتصادية حقيقية.
المجالس الاقتصادية الجهوية، مع مجلس اقتصادي وطني مستقل، ليست مجرّد إصلاح إداري؛ إنها ثورة هادئة تعيد كتابة العلاقة بين الدولة والمواطن، بين المركز والجهات، وبين الاقتصاد والسياسة.
فإذا ما تبنت تونس هذا المسار، فإن العقد القادم قد يكون أخيرًا عقدًا للتنمية العادلة، لا الشعارات المؤجلة.


تعليقات
0