المقدمة: هل نمتلك حقاً سيادتنا المالية؟
في عصر تتسابق فيه الأمم نحو الذكاء الاصطناعي والرقمنة الشاملة، لا تزال تونس تدفع فاتورة باهظة—مادياً ومعنوياً—للحفاظ على نظام نقدي تقليدي أكل عليه الدهر وشرب. نحن لا ندفع فقط تكلفة طباعة الأوراق المالية وتأمين نقلها، بل ندفع جزءاً من سيادتنا الوطنية حين تُصك عملتنا وتطبع في مطابع أوروبية، وكأننا عاجزون عن إدارة ثروتنا إلا بأدوات غيرنا.
هذا ناهيك عن “الثقب الأسود” في اقتصادنا الوطني: التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي الذي يتغذى حصرياً على السيولة النقدية (الكاش)، مما يحرم الدولة من موارد ضخمة كفيلة ببناء المستشفيات والمدارس.
اليوم، نطرح على الرأي العام وصناع القرار “مشروع السيادة المالية الرقمية”. هو ليس مجرد إجراء تقني، بل هو إعلان استقلال جديد، يحرر المواطن من طوابير الانتظار، ويحرر الدولة من التبعية، ويفتح الباب لتونس عصرية، شفافة، ومتطورة.
مقترح قانون “السيادة المالية الرقمية” (2025-2030)
بناءً على مقتضيات السيادة الوطنية، وسعياً لتحديث المنظومة المالية ومكافحة التهرب الضريبي، يُقترح سن القانون التالي:
الباب الأول: إلغاء العملة الورقية والسيادة الوطنية
المبدأ العام:
تتجه الدولة التونسية نحو الإلغاء الكلي للتعامل بالعملة الورقية والمعدنية (الكاش) واستبدالها بالدينار الرقمي والمعاملات الإلكترونية المشفرة والمؤمنة، وذلك لإنهاء تكاليف الطباعة الباهظة في الخارج وتحقيق الاستقلال النقدي التام.
الباب الثاني: الحق في “المحفظة الوطنية” (الشمول المالي)
مجانية ولا مشروطية الحسابات:
تلتزم الدولة بضمان حق كل مواطن تونسي يحمل بطاقة تعريف وطنية في فتح “محفظة بنكية رقمية” أو حساب بنكي جاري.
تكون هذه العملية وفورية، وبدون أي شروط مسبقة (مثل الرصيد الأدنى أو الوظيفة).
تُلغى كافة العمولات على عمليات الدفع الإلكتروني والتحويلات بين المواطنين لتشجيع الانتقال الرقمي.
الباب الثالث: حرية المعاملات والسيولة
إلغاء السقوف المالية:
خلافاً للأنظمة التقليدية المقيدة، ينص هذا القانون على:
لا حدود لرصيد المحفظة: يحق للمواطن ادخار أي مبلغ مهما علا شأنه في محفظته الرقمية.
لا حدود للدفع: تُلغى جميع الأسقف المحددة لعمليات الدفع اليومية أو الأسبوعية. للمواطن حرية التصرف في ماله كاملاً في أي وقت، سواء لشراء خبز أو شراء عقار، طالما أن الرصيد متوفر.
الباب الرابع: التكنولوجيا والاندماج الرقمي
وسائل الدفع المعتمدة:
يتم التعامل حصرياً عبر:
البطاقات المغناطيسية الذكية (Smart Cards).
تطبيقات الهاتف الجوال: يتم ربط المحافظ المالية بتطبيقات عالمية (Google Pay / Apple Pay) أو عبر “المنصة الوطنية للدفع” (تطبيقة تونسية سيادية ومؤمنة بأعلى المعايير العالمية).
الباب الخامس: التعامل مع الأجانب والزوار
نظام الزائر الرقمي:
يُمنع تداول العملة الورقية الأجنبية داخل الأسواق المحلية. عند دخول السائح أو الأجنبي إلى التراب التونسي:
يتم توجيهه إلى مكاتب صرف حدودية (في المطارات والموانئ).
يستبدل عملته الصعبة مقابل الحصول فوراً على “بطاقة زائر مغناطيسية” مشحونة بالرصيد المعادل بالدينار.
تُستخدم هذه البطاقة في كافة تنقلاته ومشترياته داخل تونس، ويمكنه استرجاع ما تبقى فيها من رصيد عند المغادرة بالعملة الصعبة.
الباب السادس: التدرج الزمني (الخطة الخمسية)
يتم تنفيذ هذا القانون تدريجياً على مدار 5 سنوات لضمان سلاسة الانتقال:
السنة 1-2: تجهيز البنية التحتية، تعميم أجهزة الدفع (TPE) للتجار، وإطلاق الحملة الوطنية لفتح المحافظ الرقمية.
السنة 3: جعل المعاملات الحكومية ودفع الفواتير والرواتب إلكترونية حصراً بنسبة 100%.
السنة 4: منع التعامل النقدي في المعاملات التي تفوق 100 دينار.
السنة 5: السحب النهائي للأوراق المالية من السوق وإعلان تونس “دولة خالية من الكاش”.
الخاتمة: تونس المستقبل تبدأ بـ “دفع” زر
إن تطبيق هذا المقترح سيقضي نهائياً على “المال الذي يمر تحت الطاولة”، وسيجعل التهرب الضريبي درباً من المستحيل، مما سيوفر للدولة مليارات الدنانير المهدورة سنوياً. لكن الأهم من ذلك، هو استعادة كرامة الدينار التونسي الذي لن يُطبع بعد اليوم في الخارج، بل سيدور رقمياً في فضاء محمي وآمن.
هذا المشروع ليس مجرد تحديث تقني، بل هو تغيير لعقلية مجتمع كامل نحو الشفافية والنظام. بتطبيقة تونسية وبطاقة ذكية، نمحو البيروقراطية ونبني تونس الرقمية التي نحلم بها.


تعليقات
0