لم تعد الحروب تُشعلها الشعوب، بل تُدار باسمها. ولم يعد الخلل في نوايا البشر بقدر ما أصبح في هندسة النظام العالمي ذاته، حيث تُختطف إرادة الملايين بقرار تصوغه حفنة من الدول تحت شعار “الشرعية الدولية”. إن منظمة الأمم المتحدة، التي وُلدت من رماد الحرب العالمية الثانية كأمل للسلام، تحوّلت مع الزمن إلى مسرح غير متكافئ للنفوذ، تُوزَّع فيه القوة لا على أساس العدالة، بل وفق توازنات تاريخية تجاوزها الزمن.
من هنا لا تنبع الحاجة إلى “روما جديدة” تحكم العالم بالسيف، بل إلى أمم متحدة تولد من جديد، ديمقراطية في بنيتها، عادلة في صوتها، تعترف بالشعوب لا فقط بالحدود، وتُعيد للقرار الدولي معناه الإنساني. وهذا المقال يقترح تصورًا جريئًا لنظام تصويت عالمي يعيد بناء الشرعية من القاعدة إلى القمة، ويجعل السلام نتيجة للعدالة لا فرضًا بالقوة.
—
1. الهيكل الديمقراطي المقترح
أ) المجلس المزدوج:
مجلس الدول: يحصل كل بلد على صوت واحد بالتساوي، بغض النظر عن عدد السكان أو المساحة.
مجلس السكان: يتم حساب وزن كل بلد بشكل يتناسب مع عدد سكانه، مع ضمان حد أدنى ثابت من الأصوات لتجنب تهميش الدول الصغيرة.
ب) القرار النهائي:
تتطلب القرارات الحصول على الأغلبية في كلا المجلسين (على غرار الأنظمة البرلمانية ذات المجلسين).
إضافة أوزان خاصة للقرارات المصيرية، مثل الأمن العالمي.
—
2. الحساب العملي لمجلس السكان
صيغة احتساب الأوزان:
يمكن استخدام صيغة نسبية، مثل:
\text{الوزن} = \left( \frac{\text{عدد سكان الدولة}}{\text{عدد سكان العالم}} \right) \times 100
مثال عملي:
عدد سكان العالم: 8 مليارات.
الهند (1.4 مليار نسمة): يتم منحها وزنًا مناسبًا حسب الصيغة.
فرنسا (68 مليون نسمة): يتم احتساب وزنها وفقًا لنسبتها السكانية.
توفالو (11,000 نسمة): تُمنح صوتًا كحد أدنى لضمان تمثيلها.
ملاحظة:
لتجنب تهميش الدول الصغيرة تمامًا، يتم تخصيص حد أدنى ثابت (1 صوت) لكل دولة، بغض النظر عن وزنها المحسوب.
—
3. مثال عملي على اتخاذ قرار
القرار: السماح بتدخل إنساني عالمي.
1. مجلس الدول:
لكل دولة صوت واحد.
193 دولة -> الأغلبية المطلوبة: 97 صوتًا.
مثال: إذا صوتت 120 دولة بـ “نعم”، يُمرر القرار في هذا المجلس.
2. مجلس السكان:
الأوزان هنا تُحسب بناءً على عدد السكان.
مجموع الأصوات المتاحة: 1000 صوت (للتبسيط).
الأغلبية المطلوبة: 501 صوتًا (50% + 1).
مثال:
الدول الكبيرة (مثل الهند والصين والولايات المتحدة) تصوت بـ “نعم”، وتجمع 600 صوت.
النتيجة: يتم تمرير القرار.
—
4. التعديلات العملية
أ) ضمان العدالة للدول الصغيرة:
تخصيص صوت واحد كحد أدنى لكل دولة في مجلس السكان.
وضع حد أعلى للأوزان لضمان عدم هيمنة الدول الكبيرة جدًا (مثل الهند والصين).
ب) القرارات المصيرية:
وضع قاعدة خاصة للقرارات الحاسمة (مثل التدخلات العسكرية أو قضايا المناخ): تتطلب الحصول على ثلثي الأصوات في كلا المجلسين.
—
5. خلاصة الفوائد العملية
الدول الصغيرة: تحصل على تمثيل متساوٍ في مجلس الدول.
الشعوب العالمية: يتم تمثيلها في مجلس السكان بناءً على حجمها.
التوازن في اتخاذ القرار: يُحقق التوازن بين السيادة الوطنية والأوزان السكانية.
هذا النظام يضمن نموذجًا أكثر ديمقراطية، ويقلل من الاختلالات الحالية مثل حق النقض (الفيتو) أو التمثيل الزائد لبعض الكتل.
—
1. صيغة محسّنة: متوسط مرجح
يمكننا استخدام متوسط مرجح بين قاعدة ثابتة لكل بلد ووزن يعتمد على عدد السكان، يتم تعديله بعامل ضغط. هذا النهج يمنع الدول الكبيرة جدًا من السيطرة الكاملة، مع إبراز أهمية عدد السكان.
الصيغة المقترحة:
\text{الوزن النهائي} = \text{الصوت الأساسي} + k \times \left( \frac{\text{عدد سكان الدولة}^\alpha}{\text{عدد سكان العالم}^\alpha} \times 100 \right)
: عامل ضغط يقلل الفجوات (على سبيل المثال، ).
—
2. الحساب العملي باستخدام هذه الصيغة
الفرضيات:
عدد سكان العالم: 8 مليارات.
الصوت الأساسي: 1.
، .
حساب الأصوات:
الهند (1.4 مليار نسمة):
1 + 5 \times \left( \frac{(1.4 \times 10^9)^{0.5}}{(8 \times 10^9)^{0.5}} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times \left( \frac{37,416}{89,442} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times 41.83
= 210.15 \text{ صوتًا.}
فرنسا (68 مليون نسمة):
1 + 5 \times \left( \frac{(68 \times 10^6)^{0.5}}{(8 \times 10^9)^{0.5}} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times \left( \frac{8,246}{89,442} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times 9.22
= 47.1 \text{ صوتًا.}
توفالو (11,000 نسمة):
1 + 5 \times \left( \frac{(11,000)^{0.5}}{(8 \times 10^9)^{0.5}} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times \left( \frac{104.88}{89,442} \times 100 \right)
= 1 + 5 \times 0.117
= 1.585 \text{ صوتًا.}
—
3. النتائج: فجوة معتدلة
الهند (1.4 مليار نسمة): 210.15 صوتًا.
فرنسا (68 مليون نسمة): 47.1 صوتًا.
توفالو (11,000 نسمة): 1.59 صوتًا.
الفجوة بين فرنسا والهند ملحوظة، لكنها أقل تطرفًا مما كانت عليه باستخدام طريقة النسبة المباشرة. وفي الوقت نفسه، تظل الدول الصغيرة تتمتع بحد أدنى من الأصوات بفضل القاعدة الثابتة.
—
4. تعديلات ممكنة
لتقليل الفجوة أكثر: تقليل أو زيادة (على سبيل المثال، ).
لزيادة الفجوة: زيادة أو تقليل (على سبيل المثال، ).
—
5. مقارنة الفجوات
—
6. لماذا هذه الطريقة أفضل؟
تقليل الفجوة: عامل الضغط () يحد من تأثير الكثافات السكانية الكبيرة جدًا.
الاعتراف بالقوى الكبرى: الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة تحتفظ بوزنها المهم.
احترام الدول الصغيرة: تظل هذه الدول محتفظة بصوت أساسي يضمن تمثيلها.
المرونة: يمكن تعديل المعايير ( و\alpha) لتحقيق أفضل توازن بين العدالة والتمثيل.
–
إن العالم الذي نعيشه اليوم لا يحتاج إلى قوة أعظم، بل إلى شرعية أعمق. فحين يصبح صوت الإنسان أغلى من صوت المدفع، وحين تُقاس القوة بعدد الأرواح لا بعدد الرؤوس النووية، يصبح السلام ممكنًا لا كهدنة مؤقتة بل كمنظومة دائمة.
إن النموذج الديمقراطي المقترح للأمم المتحدة لا يمثّل مجرد تعديل تقني في أنظمة التصويت، بل ثورة هادئة في فلسفة الحكم العالمي، تنقل البشرية من منطق الهيمنة إلى ميزان العدالة، ومن حكم الأقوياء إلى شراكة الشعوب.
هكذا فقط يمكن أن تختفي الحرب، لا لأننا حاربناها، بل لأننا ألغينا أسبابها من جذورها، وجعلنا من الديمقراطية العالمية درعًا أخلاقيًا يحمي المستقبل قبل أن تلتهمه النيران.


تعليقات
0