حين تُترك النصوص الدستورية بلا حارس مستقل، تتحوّل الدولة إلى ساحة صراع بين القوى، لا إلى فضاء عدالة يحكمه القانون. ومن هنا تولد الحاجة المصيرية إلى محكمة دستورية عليا لا تخضع للأهواء ولا تُساوم على المبادئ، بل تكون الميزان الدقيق الذي يضبط إيقاع السلطة ويمنع انزلاقها نحو الاستبداد. فهذه المحكمة ليست مجرد هيئة قضائية، بل هي صمّام أمان للدستور، وعين الشعب الساهرة على حماية روحه من التأويل المنحرف والتوظيف السياسي، وضمان أن تبقى السيادة فعلاً للأمة لا للأشخاص.
استنادًا إلى ضرورة الفصل بين السلطات وضمان الرقابة الدستورية المستقلة على أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية، يُقترح إنشاء محكمة دستورية عليا تتكوّن من قضاة ذوي كفاءة عالية، يتم تعيينهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء لضمان استقلالية المؤسسة القضائية عن السلطة التنفيذية والتجاذبات السياسية.
1. تُحدث محكمة دستورية عليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين والمعاهدات والإجراءات الدستورية، وتفصل في النزاعات بين السلطات، وتُؤوّل النصوص الدستورية عند الاقتضاء.
2. تتكوّن المحكمة من تسعة (9) أعضاء يُعيَّنون من قبل المجلس الأعلى للقضاء، من بين القضاة أو أساتذة القانون أو المحامين ممن لهم خبرة لا تقل عن عشرين (20) سنة في المجال القانوني أو القضائي.
3. بعد اختيار المرشح من قبل المجلس الأعلى للقضاء، يُعرض ترشيحه على البرلمان الذي يعقد جلسة استماع علنية لمساءلته، ويصادق على تعيينه بالاغلبية المطلقة . إذا لم يحصل على هذه الأغلبية، يُطلب من المجلس الأعلى للقضاء ترشيح اسم آخر.
4. يُعيَّن أعضاء المحكمة لمدى الحياة، ولا يجوز عزلهم إلا بقرار من المجلس الأعلى للقضاء في حال:
ارتكاب جريمة ثابتة بحكم قضائي باتّ،
أو الخلل العقلي أو الجسدي الدائم المانع من أداء المهام،
أو الإخلال الجسيم بواجبات النزاهة أو الاستقلالية.
5. يُنتخب رئيس المحكمة ونائبه من بين أعضائها بالاقتراع السري الداخلي لمدة خمس (5) سنوات قابلة للتجديد.
رغم أن كل الأعضاء متساوون في التصويت على القضايا، فإن “رئيس المحكمة” له دور إداري ورمزي إضافي:
يرأس الجلسات،
ينسّق عمل المحكمة،
يمثّلها أمام السلطات الأخرى،
أحيانًا يوزّع القضايا أو يكتب الرأي الأغلبي.
6. تصدر المحكمة قراراتها باسم الشعب، وتكون نهائية وملزمة لجميع السلطات.
7. يمكن لرئيس الجمهورية، أو رئيس البرلمان، أو ربع أعضاء البرلمان، أو المجلس الأعلى للقضاء، أو إحدى الهيئات الدستورية، أو جهة قضائية تثار أمامها مسألة دستورية، أن يحيل الملف إلى المحكمة الدستورية العليا.
إن إرساء محكمة دستورية عليا بهذه المواصفات لا يُعد مجرد إصلاح تقني، بل خطوة حضارية تُعيد الاعتبار لفكرة الدولة القانونية الحديثة، حيث لا يعلو صوت على صوت الدستور. إنها الحصن الأخير حين تضعف المؤسسات، والمرجعية العليا حين تتنازع السلطات، والضمانة الفعلية بأن الحقوق لن تكون رهينة المزاج السياسي. فبدون قضاء دستوري قوي ومستقل، يظل الدستور نصاً جميلاً على الورق… ومعه فقط، يصبح عقداً حيّاً يحكم، يحمي، ويصون مستقبل الأمة.


تعليقات
0