لم تعد السجون في صيغتها التقليدية سوى مصانع صامتة لإعادة تدوير الجريمة، حيث يُزجّ بالمذنب إلى جانب المجرم الخطير، ويُعاقَب دون أن يُصلَح، ويخرج أشد قسوةً وأكثر احترافًا في الانحراف. لقد آن الأوان لكسر هذا المنطق الانتقامي الأعمى، والانتقال إلى رؤية عقلانية حديثة تعيد تعريف العقوبة بوصفها أداة لتقويم السلوك لا لتحطيم الإنسان. إن تصنيف السجون وفق خطورة الجريمة وسلوك السجين ليس ترفًا قانونيًا، بل ضرورة حضارية تؤسس لعدالة متوازنة تجمع بين الردع والرحمة، بين الحزم والإنسانية، وبين حماية المجتمع وفرصة الخلاص لمن يستحقها.
من أجل تحقيق التوازن بين العقوبة والعدالة الإصلاحية، ولتقليل معدلات العود إلى الجريمة، يجب إعادة هيكلة المنظومة السجنية من خلال تقسيم السجون إلى ثلاثة أصناف مختلفة حسب نوع الجريمة وسلوك السجين، مع توفير آليات واضحة للترقية أو النزول بين هذه الأصناف.
—
تصنيف السجون المقترح
الصنف الأول: سجن إصلاحي مفتوح
يشمل:
الجرائم غير العنيفة (باستثناء بيع المخدرات).
الخصائص:
سجن مفتوح: يمكن للسجين الخروج أو الدخول بإذن قضائي لأغراض العمل أو زيارة الأقارب.
لا توجد زنازين، بل غرف جماعية مفتوحة دون أقفال.
يحتوي على:
ملعب رياضي، ورشات تكوين مهني، نوادي ثقافية (مسرح، موسيقى…).
مسجد، مقهى/مطعم صغير يمكن شراء منه بمال خاص.
إمكانية الزواج أو ممارسة العلاقة الزوجية في غرف مخصصة.
يخضع السجين للمراقبة الأخلاقية والاجتماعية المستمرة.
الصنف الثاني: سجن شبه تقليدي محسن
يشمل:
الجرائم العنيفة الخفيفة.
بائعو المخدرات الصغار غير المنتمين لعصابات ولم يستخدموا العنف.
الخصائص:
شبيه بالسجون الحالية، لكن مع تحسينات:
تكييف، تدفئة، مسجد صغير، ورشات تكوين مهني، برامج ثقافية محدودة.
زنازين مغلقة، وساحة صغيرة للراحة.
لا يوجد مقهى أو مطعم، ولا يسمح بالخروج.
لا يسمح بالزواج أو بالعلاقات الزوجية داخل السجن.
الصنف الثالث: سجن عقابي مشدد
يشمل:
القتلة، المغتصبين، رؤساء العصابات، والمجرمين العنيفين المتكررين.
الخصائص:
زنزانات انفرادية.
لا زيارات عائلية، فقط:
المحامي، اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب.
لا خروج، لا ورشات، لا فنون، لا تلفاز، لا راديو.
فقط ساحة فردية للتمشي لوحده.
—
آلية الترقية أو العقاب حسب السلوك
السجين في الصنف 1 إذا ساء سلوكه، يُحول للصنف 2.
السجين في الصنف 2 إذا ساء سلوكه، يُحول للصنف 3.
السجين في الصنف 3 إذا حسن سلوكه، وبعد قضاء نصف العقوبة، يمكن تحويله للصنف 2 بموافقة عائلة الضحية.
السجين في الصنف 2 إذا حسن سلوكه، وبعد نصف المدة، يمكن تحويله للصنف 1 بموافقة الضحية أو عائلتها إن وُجدت.
السجين في الصنف 1 وبعد سلوك حسن، يمكن الإفراج عنه بعد نصف العقوبة تحت:
مراقبة إلكترونية (سوار إلكتروني)، أو
مراقبة شرطية دورية أسبوعية إذا لم تكن الوسائل التقنية متوفرة.
—
مقترح دستوري
الفصل: إصلاح النظام السجني وتصنيف المؤسسات العقابية
1. تنشئ الدولة منظومة سجنية قائمة على تصنيف السجون إلى ثلاثة أصناف، وفقًا لخطورة الجريمة وسلوك المحكوم عليه، بهدف تأمين العدالة الإصلاحية وتقليص نسب العود.
2. يحدد القانون تنظيم هذه السجون كما يلي:
الصنف الأول: سجون إصلاحية مفتوحة مخصصة للمحكوم عليهم في قضايا غير عنيفة، تتيح الاندماج التدريجي في المجتمع وتوفر بيئة تأهيلية وإنسانية.
الصنف الثاني: سجون تقليدية محسّنة، تضمن حقوق الإنسان الأساسية، وتمنع مظاهر الرفاه الزائد أو العقوبات المهينة.
الصنف الثالث: سجون مشددة للمجرمين العنيفين المتكررين ومرتكبي الجرائم الخطيرة، تُخضع لرقابة خاصة وتحرم من الامتيازات الاجتماعية والثقافية، مع احترام الضمانات القانونية.
3. تُنشأ آلية قانونية لمراجعة تصنيف السجناء دوريًا، بناءً على سلوكهم وتقدمهم التأهيلي، وتُراعى في ذلك موافقة ضحايا الجريمة أو ذويهم عند الاقتضاء.
4. تمنع العقوبات الجماعية، ويُحظر التعذيب أو الإهانة في جميع السجون، مع ضمان الرقابة المستقلة البرلمانية والحقوقية على كل مؤسسة عقابية.
إن الدولة التي تضع جميع المذنبين في القفص ذاته، دولة تعاقب دون أن تعالج، وتنتقم دون أن تبني. أما الدولة التي تميز بين المخطئ القابل للإصلاح والمجرم الخطر الذي يهدد السلم الاجتماعي، فهي دولة تحمي مجتمعها بعقل لا بغريزة، وبقانون لا بعصبية. إن هذا المشروع ليس مجرد إصلاح للسجون، بل هو إعادة هندسة للعدالة نفسها، حيث تصبح الكرامة الإنسانية جزءًا من الأمن القومي، ويغدو السجن طريقًا للعودة إلى المجتمع لا ممرًا إلى الجريمة الأشد. فإما أن نُصلح من أخطأ… أو نتركه يعود إلينا أشد خطرًا مما كان.


تعليقات
0