Open Politic|الاقتصاد والمالية

من صدقة عاطفية إلى استثمار حضاري: نحو دولة تُموّل العلم والصحة لا عبر الضرائب بل عبر الوقف الواعي

Messenger_creation_212A79CB-65CC-4321-A039-4B440A584454

في زمن تتآكل فيه ميزانيات الدولة تحت ثقل الديون، وتُختنق فيه الجامعات والمستشفيات العمومية بنقص الموارد، يصبح من العبث مواصلة التعويل الحصري على الخزينة العمومية كرافعة وحيدة للعلم والصحة والثقافة.

لقد آن الأوان لإحياء مفهوم الوقف لا بوصفه إرثًا دينيًا تقليديًا، بل كأداة سيادية حديثة لتمويل المصلحة العامة، قائمة على الشفافية، العقلانية، والغاية الحضارية.

هذا المشروع لا يُعيد الوقف إلى محراب الوعظ، بل ينقله إلى فضاء الدولة المدنية، حيث يتحول التبرع من فعل عاطفي ظرفي إلى التزام قانوني دائم، موجّه حصريًا لخدمة المعرفة، العلاج، والإنتاج الثقافي. إنه انتقال من منطق الصدقة إلى منطق الاستثمار في الإنسان.

مشروع قانون: إنشاء نظام وطني للأوقاف العمومية العلمية والثقافية والصحية

الباب الأول: المبادئ العامة

الفصل 1:

يُحدث بمقتضى هذا القانون “النظام الوطني للأوقاف العمومية العلمية والثقافية والصحية”، ويُقصد به كل تبرع دائم موجه من قبل الأفراد أو الهيئات لفائدة مؤسسات عمومية غير ربحية محددة بالقانون.

الفصل 2:

يُعتبر الوقف أو الحبس تعهدًا قانونيًا لا رجعة فيه، يلتزم بمقتضاه الواقف (المتبرع) بتحبيس مال منقول أو عقار لفائدة غاية عمومية، مع تحديد وجهته بدقة في عقد الوقف.

الفصل 3:

لا يجوز صرف أموال الأوقاف الناتجة عن هذا القانون لأي جهة دينية أو سياسية أو حزبية. يُستثنى من الانتفاع بهذه الأوقاف:

الجوامع والمساجد.

المدارس الدينية غير المعترف بها.

الجمعيات ذات الطابع العقائدي أو التبشيري.

الباب الثاني: الجهات المنتفعة

الفصل 4:

يُحصر الانتفاع بالأوقاف في الجهات التالية:

1. الجامعات والكليات والمعاهد العمومية.

2. المستشفيات العمومية ومراكز الصحة العمومية.

3. الأكاديمية التونسية للعلوم والفنون والآداب.

4. مراكز البحث العلمي المعترف بها وطنياً.

5. مؤسسات الثقافة العمومية (المكتبات، المتاحف، دور الثقافة).

الباب الثالث: الحوكمة والشفافية

الفصل 5:

يُحدث “مجلس وطني للأوقاف العمومية” يتبع رئاسة الحكومة، وتُشرف عليه لجنة مستقلة مكوّنة من قضاة، وممثلين عن المجتمع المدني، وخبراء ماليين، وظيفته:

المصادقة على عقود الوقف.

مراقبة صرف الأموال.

نشر تقارير سنوية علنية.

الفصل 6:

كل وقف يجب أن يكون موثّقًا بعقد رسمي يُسجل في دفتر خاص، وتُحدَّد فيه:

الجهة المستفيدة.

نوع المال الموقوف.

الغاية الدقيقة.

شروط الانتفاع والصيانة.

الباب الرابع: الحوافز

الفصل 7:

يتمتع الواقف بإعفاءات ضريبية جزئية أو كلية على الأموال أو العقارات الموقوفة، وفقًا لترتيب تحدّده وزارة المالية، دون المساس بحق الدولة في الرقابة والمحاسبة.

إن إنشاء نظام وطني للأوقاف العمومية العلمية والثقافية والصحية ليس مجرد إصلاح قانوني، بل هو إعلان قطيعة مع نموذج دولة عاجزة، وولادة شراكة جديدة بين المواطن والدولة في صناعة المستقبل.

بهذا النظام، يصبح المواطن شريكًا في بناء الجامعة، راعيًا للمستشفى، حارسًا للثقافة، لا مجرد دافع ضرائب صامت.

إنه مشروع يؤسس لاقتصاد القيمة، حيث تُخلَّد الثروة لا في حسابات راكدة، بل في عقول متعلمة، وأجساد معافاة، وذاكرة ثقافية حية.

هكذا تُبنى الأمم: لا بالخُطب، بل بالوقف الواعي، ولا بالشعارات، بل بالمؤسسات التي تخلّد الأثر وتُؤمم الخير للأجيال القادمة.

مواضيع ذات صلة

النظام الاقتصادي الإسلامي: ليبرالي بالفطرة

“عندما تستيقظ الجهات تنهض تونس: طريقنا نحو لامركزية اقتصادية

المجلس الاقتصادي الوطني: عقل الدولة وميزان قراراتها

ثورة الحكم المحلي: مجالس اقتصادية جهوية ومجلس وطني جديد لإعادة هندسة اقتصاد تونس

تونس تصدر او تموت

تونس بين خيارين: الإصلاح الشجاع أو الإفلاس الحتمي

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات

0