Open Politic|الاقتصاد والمالية

تونس بين خيارين: الإصلاح الشجاع أو الإفلاس الحتمي

Messenger_creation_6915EA4F-E705-4707-9BDE-57B8BA984F67

الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يبدأ من الجرأة: تبسيط ضريبي، تخفيض كتلة الأجور، ورفع مشروط للدعم

حان الوقت للاعتراف بحقيقة لم يعد يمكن الهروب منها:

تونس لم تكن يومًا دولة غنية بالموارد، ولم تمتلك عبر تاريخها اقتصادًا إنتاجيًا قادرًا على خلق الثروة بشكل مستدام.

وعلى خطى دولٍ عدّة رفعت شعارات العدالة الاجتماعية، تحوّل هذا الخطاب—رغم نبالة نواياه—إلى غطاء لقتل المبادرة الفردية، وإفقار الطبقة المتوسطة، وإغراق الدولة في البيروقراطية والعجز.

اليوم، أصبح الإصلاح الاقتصادي ضرورة وجودية، لا مجرد خيار سياسي.

1. لا نهضة دون اقتصاد استثماري مُوجّه للتصدير

الدول التي نجحت لم تعتمد على ثرواتها الطبيعية، بل على قدرتها على تصنيع منتجات قابلة للتصدير.

قبل الثورة الصناعية، كان النفوذ يُقاس بالحروب والغزوات؛ أمّا اليوم فيُقاس بحصة الدولة في التجارة العالمية.

دولة بلا صادرات قوية = دولة تتجه نحو الإفلاس.

ولا يمكن للصادرات أن تنمو في بيئة طاردة للاستثمار، مع نظام ضريبي معقّد، ودولة تتدخل في كل شيء وتفشل في كل شيء.

2. تبسيط جذري للنظام الضريبي

الإصلاح يبدأ من الضرائب:

توحيد ضريبة الشركات في 20% وإلغاء الضرائب المتناثرة التي خنقت الاستثمار، بما في ذلك TVA على غرار نماذج أمريكية ناجحة.

إعفاء توزيعات الأرباح بعد دفع ضريبة الشركات لتشجيع إعادة الاستثمار وتحريك رأس المال المحلي.

هذا الإصلاح يفتح الباب أمام بيئة استثمارية نظيفة، متوقعة، وجاذبة للأسواق العالمية.

3. دولة رقابة… لا دولة تسيير

المؤسسات العمومية في القطاعات الحساسة يمكن بيعها للقطاع الخاص، مع احتفاظ الدولة بـ 30% من الأسهم لضمان الرقابة لا التسيير.

النماذج العالمية واضحة:

نجاح Air France لم يكن في الخصخصة بحد ذاتها، بل في الرقابة الذكية.

فشل بريطانيا بعد خصخصة السكك الحديدية كان بسبب ضعف الرقابة.

الولايات المتحدة شهدت كوارث مثل Three Mile Island بسبب إدارة خاصة تبحث عن الربح السريع دون رقابة.

فرنسا اضطرت للعودة إلى رفع حصتها في قطاع الكهرباء لأن السوق وحده لم يضمن الأمن الطاقي.

النتيجة:

الدولة الرقيب ضرورة…

الدولة المدير كارثة.

4. إصلاح الوظيفة العمومية: خطوة مؤلمة ولكن لا بد منها

كتلة الأجور في تونس من الأعلى عالميًا، وهو ما لا يمكن لدولة محدودة الموارد تحمّله.

الحل الوحيد الممكن:

تقليص عدد الموظفين إلى النصف تدريجيًا عبر التقاعد المبكر وبرامج المغادرة بالتراضي.

إصلاحٌ صعب… لكنه شرط لإنقاذ المالية العمومية والحفاظ على الدولة نفسها.

5. إنهاء وجود المصانع الملوّثة داخل المدن

هذه المصانع دمّرت البيئة وصحّة السكان ومساحات خضراء كاملة.

إن كان تحديثها غير ممكن، فالقرار لا يجب أن يكون بيد البيروقراطية، بل بيد أصحاب الأرض:

استفتاء جهوي ووطني يقرّر مستقبلها.

الجهة أولى بمصيرها من السياسيين.

6. تخفيض ديوانة الابتكار

تخفيض المعاليم الديوانية إلى 25% على:

الحواسيب

الأجهزة اللوحية

الهواتف

السيارات الكهربائية

وكل معدّات العمل والإنتاج

خطوة أساسية لخفض الكلفة على الشركات وتحفيز التحديث الرقمي.

7. رفع الدعم تدريجيًا… وفي الوقت المناسب

رفع الدعم إجراء ضروري، لكن تنفيذه في اقتصاد هش يؤدي إلى انفجار اجتماعي.

لذلك يجب أن يتم فقط عندما يتجاوز النمو 3% واستقرار القدرة الشرائية.

الرفع بلا نمو = انتحار اقتصادي وسياسي.

8. عودة قوية للمناولة (Outsourcing)

كانت تونس في طليعة إفريقيا في مجال المناولة.

التراجع عنه كان خطأ استراتيجيًا.

إعادة هذا القطاع يمنح البلاد عشرات الآلاف من الوظائف السريعة والنظيفة والمرتبطة بالسوق الدولية.

9. العودة إلى “صفر ضريبة” على الشركات المصدّرة

هذا القرار وحده قادر على:

استرجاع الشركات الأجنبية

دعم الشركات الناشئة

إعادة تونس إلى موقعها كمنصة صناعية متوسطية منافسة

وإن هدّد الأوروبيون بالضغط أو بإعادة تونس إلى “القائمة السوداء”، فالرد لا يكون بالاستجداء، بل بالمعادلة الواقعية:

ملف الهجرة يمكن تحويله من عبء إلى ورقة قوّة.

فالتدفقات البشرية نحو أوروبا ليست ملفًا تونسيًا… بل أوروبي بامتياز.

وأي محاولة للضغط العسكري أو غير المباشر ستجعل تونس أرضًا خصبة للتطرف، وهذا ليس تهديدًا، بل تحليل واقعي لتجارب سابقة في المنطقة.

خاتمة: إمّا الجرأة… أو الإفلاس

الإصلاح الاقتصادي لم يعد نقاشًا فكريًا أو شعارًا انتخابيًا.

إنه شرط بقاء الدولة.

لا يمكن لبلد محدود الموارد، مثقل بالبيروقراطية، ومكبّل بكتلة أجور غير قابلة للتمويل، أن ينهض دون:

تبسيط ضريبي جذري

تخفيض تدريجي ومسؤول لكتلة الأجور

رفع محكم للدعم في اللحظة المناسبة

دولة رقابة لا دولة تسيير

اقتصاد مُصدّر كركيزة أولى للثروة

العالم يتحرك بسرعة، والأسواق لا تنتظر، والدول الصغيرة التي تتأخر… تُعاقَب.

إمّا أن تختار تونس طريق الإصلاح والجرأة،

أو تبقى أسيرة نموذج أثبت إفلاسه لعقود.

مواضيع ذات صلة

النظام الاقتصادي الإسلامي: ليبرالي بالفطرة

من صدقة عاطفية إلى استثمار حضاري: نحو دولة تُموّل العلم والصحة لا عبر الضرائب بل عبر الوقف الواعي

“عندما تستيقظ الجهات تنهض تونس: طريقنا نحو لامركزية اقتصادية

المجلس الاقتصادي الوطني: عقل الدولة وميزان قراراتها

ثورة الحكم المحلي: مجالس اقتصادية جهوية ومجلس وطني جديد لإعادة هندسة اقتصاد تونس

تونس تصدر او تموت

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات

0